ولد المرحوم الحاج صالح بن حسن بن إسماعيل نويرة، المعروف باسم "المدب" صالح إسماعيل نويرة في 25 سبتمبر 1925 وتوفي في 16 أفريل 2016. حفظ القرآن بكتّاب صالح بن أحمد الصّغير بين سنوات 1932 و1937، ثمّ انتقل إلى كتّاب المؤدب امحمد بن علي بن الحاج امحمد تقيّة إلى سنة 1942. وقد حاز المرحوم الحاج صالح بن حسن نويرة اعجاب مؤدبه فأصبح يأخذه معه للأختام. ونتيجة لهذا الاعجاب جعله "المدب الصغير" يساعده على المراقبة وتكتيب الصغار والاملاء على المبتدئين وتعويضه عند غيابه. وقد كان يذهب في العطلة الأسبوعية (يوم الخميس والجمعة) للعمل ب " كيس دار إسماعيل". ثمّ انتقل بعد وفاة المؤدب امحمد تقية إلى كتّاب المؤدب محمد بن الحاج أحمد وحادة فكان "مدب صغير" عنده أيضا بين سنوات 1943 و1946.
التحق المرحوم الحاج صالح بن حسن نويرة سنة 1946 بجامع الزيتونة وقد أخذ مبادئ العلوم الشرعية واللغة عن مشايخ جامع الزيتونة من بينهم الشيخ الفقيه عبد الرحمان بن علي خليف الذي كان يدرّس آنذاك القراءات واللغة العربيّة. وفي سنة 1947 نجح في مباراة "جمعية الشبان المسلمين" في حفظ القرآن الكريم، لقد كان المرحوم الحاج صالح بن حسن نويرة من الحفظة القلائل جدا بحيّه للستين حزبا.
وفي سنة 1948 خلال عامه الثالث بجامع الزيتونة المعمور مرض، وكانت له مشكلة في السكنى، كما توفي والده وكان اخوته لا يحسنون التدبير فاضطر للانقطاع عن الدراسة للاعتناء بالأسرة فامتهن "الرئاسة" ب"كيس دار اسماعيل" حتّى سنة 1960 حيث كان يجوب السواحل التونسية وصولا إلى ميناء "الكتف" ببن قردان على الحدود التونسية الليبية. ثمّ اشتغل كمسؤول بنقطة بيع السمك التي ركزتها تعاضدية النصر للصيد البحري بميناء سوسة بالإضافة إلى اشرافه على مركبي الجر "النصر" و" كولوبري" التي اقتنتهما التعاضدية وقد كان له الفضل في تأطير وتكوين مجموعة من البحارة الطبلبية على اتقان فنون الصيد في المياه العميقة أمثال عبد الحميد الرفرافي وحسن بن أحمد نويرة ومحمد شبيل وغيرهم.
وقد كان المرحوم الحاج صالح بن حسن نويرة يستغل وقت فراغه حينما كان يشتغل بسوسة ليذهب إلى الجامع الكبير بمدينة سوسة حيث تطوّع لتعويض الإمام ومؤذنه كلمّا تغيّب أحدهما أو كلاهما. وفي سنة 1970 عيّن من قبل والي سوسة "مقرئا" بالجامع الكبير وأصبح عضوا ب"الحلقة" التي تضم حوالي 20 مقرئا أو أكثر. كما عيّنه والي سوسة سنة 1977 إطارا بالجامع الكبير فأصبح يسافر إلى سوسة فجرا فيبقى في "الصحن" صيفا وداخل المسجد شتاء ليكون جاهزا لصلاة الصبح. وكان يقيم الأختام بطبلبة من حين إلى آخر، وبمدينة سوسة خلال المناسبات العائلية (عرس، بناء منزل جديد، وفاة، ختان...). كما صلّى التراويح بالمسجد الشرقي بطبلبة ما بين سنة 1964 و1966. وصلّى التراويح بالجامع الكبير بسوسة لمدّة 40 سنة كما كان يؤم المصلين كامل صلاة التراويح في رمضان لمدّة عشرات السنين.
لقد كان للمرحوم الحاج صالح بن حسن نويرة مساهمة فعّالة بمعيّة الحاج عبد الحفيظ بوراوي الكاتب العام للجنة الثقافية الجهوية بولاية سوسة والمندوب الجهوي للثقافة وعضو الفرع الجهوي للجمعية القومية للمحافظة على القرآن الكريم ونخبة من شيوخ سوسة وجهة الساحل في تأسيس الكتاتيب العصرية ونشر الاملاءات القرآنية في المساجد والجوامع بين صلاتي المغرب والعشاء، حيث أقام الحاج عبد الحفيظ بوراوي لحفظة القرآن والمقرئين حفلات تكريم واسناد الجوائز السخيّة التي يتبرع بها أهل البر والإحسان من تونس وخارجها على المتفوقين.
وبحكم تواجد المرحوم الحاج صالح بن حسن نويرة أغلب الوقت بمدينة سوسة وحبّه للتعلّم وللعلم وأهله، فقد تطوّع استجابة لرغبة العديد من أولياء التلاميذ الذين يدرسون بمدينة سوسة ليكون وليهم يتدخل لدى إدارة المعهد الثانوي للذكور بسوسة نظرا لصعوبة تنقل أوليائهم إلى سوسة فكان المرحوم ولي أكثر من خمسين تلميذا.
وقد ساهم المرحوم الحاج صالح بن حسن نويرة في معركة 23 جانفي 52 حيث حضر عملية نقل أخيه امحمد بن حسن نويرة الذي عُثر عليه بعد المعركة غارقا في دمائه، من أرض المعركة في حالة احتضار إلى مستشفى المهدية الذي بقي به أياّما وشفي بصعوبة جرّاء الرصاصة التي غرست بجسمه. كما ساهم في جمع الأموال والمؤونة وتسليمها إلى لجنة الإغاثة التي تمّ بعثها من طرف المناضلين قصد توزيعها على عائلات الشهداء والمعتقلين.
وقد كان المرحوم الحاج صالح بن حسن نويرة من مؤسسي تعاضدية "النصر" للصيد البحري بطبلبة وكان مسؤولا عن الحسابات فيها. وكان عضوا بالمجلس الإداري ليتحمّل مسؤولية كاتب عام مساعد. وأصبح منذ سنة 1962 مسؤول التعاضدية بميناء سوسة.
وقد كان للمرحوم الحاج صالح بن حسن نويرة الفضل بمعيّة السادة عبد القادر النقبي وإسماعيل نويرة والصادق الجنزري في بعث نواة لميناء الصيد البحري بطبلبة عبر بناء "صقالة" تمتد إلى بضع عشرات الأمتار داخل الماء فبادروا بالاتصال بالسيّد الطيب تقية النائب بمجلس الأمّة فتحمّس للفكرة وقام بزيارة المكان صحبة المسؤول الفرنسي بالأشغال العمومية والإسكان في ستينات القرن العشرين وانطلقت الأشغال بتدخل " برنامج التنمية الريفية" آنذاك. وفي مرحلة ثانية بادروا بحثّ البحارة في أواخر الستينات لمطالبة السلط بتطوير النواة الأولى إلى ميناء حديث يتماشى وتطوّر الأسطول البحري رغم العراقيل الكبيرة لتركيزه وإتمامه والتي تواصلت إلى ثمانينات القرن العشرين يقول الأستاذ الطاهر بوسمة :" لقد تم إنجاز ذلك الميناء بصعوبة لأن والي المنستير وقتها منصور السخيري كان معارضا فيه ويرى المنستير أولى به منها ولكن وزير التجهيز وقتها المرحوم محمد الصياح استجاب وأذن بإنجاز المرحلة الأولى منه والتي لم تتسع لكثرة السفن والمراكب التي باتت تمخر عباب البحر وتغامر بالصيد في الأعماق وتزاحم الإيطاليين الذين كانوا يتعمدون تجاوز حدودهم البحرية ويدخلون لمياهنا الإقليمية..."
كما كان للحاج صالح بن حسن نويرة الفضل في احداث المعهد الثانوي بطبلبة بمعيّة أعضاء المجلس الإداري لتعاضدية "النصر" للصيد البحري بطبلبة ضمن نشاطها الاجتماعي المتمثل في تقديم المنح والاعانات لبناء المساجد وصيانتها والمدارس والمستوصفات، حيث ساهمت هذه الأخيرة في التبرع باقتناء الأرض التي بني عليها المعهد الثانوي إلى جانب تعاضدية "السعادة" والبلدية والأهالي.
لطفي جمعة
المرجع: كتاب طبلبة التقليدية والحداثة في المجتمع العربي/ مراجعة ابنه شاكر نويرة
(19 جوان 2020)