الإعلامي المرحوم محمد الهادي بن حسن الغالي

 

من رواد الصحافة الوطنية الذين أوكلت لهم مهمّة "تونسة"

 قسم الأخبار بالإذاعة الوطنية

ولد المرحوم محمد الهادي بن حسن الغالي سنة 1930 بطبلبة وتوفي بتونس في 2 أوت 2019. بدأ المرحوم محمد الهادي الغالي تعليمه بالكتّاب كغيره من أبناء جيله بحفظ القرآن وحذق مبادئ القراءة والكتابة، ثمّ التحق بالمكتب "المدرسة الفرنسية/العربية" بطبلبة، حيث تحصّل على الشهادة الابتدائية في دورة 28 ماي 1944 وقد نجح خلال تلك الدورة خمسة تلاميذ وهم: الطيب بن محمود خير الله وصالح بن محمد المرعوي وعامر بن محمد سيدية وسالم بن حسن عرفة والهادي بن حسن الغالي (المترجم له). لكن المرحوم محمد الهادي الغالي لم يستقر في طبلبة طويلا لأنّ والده كان كثير التنقل بحكم وظيفته في القضاء. التحق بالمعهد الزيتوني، ثمّ بمعهد الدراسات الأدبية العليا.

كان المرحوم محمد الهادي الغالي مغرما منذ طفولته بالاستماع إلى المذياع وما يبث عبره من قصص ومنوعات وأخبار محليّة وعالمية. ومنذ سنة 1951 راودته فكرة الانضمام إلى العمل الإذاعي ب "إذاعة تونس البريدية" والتي أصبحت تسمى "راديو تونس" الذي كان مقرّه آذاك بعمارة تقع ببطحاء المكتب الإسرائيلي، ساحة العُمْلة حاليا، فقضّى نحو سنتين في تجربة مذيع، وقد كلّف أيضا بالتنسيق بين بث البرامج وبين التقنيين الذين كان أغلبهم فرنسيين... وحتّى القسم العربي للإذاعة فقد كان يشرف عليه ضابط من الجيش الفرنسي ينتمي إلى ما كان يسمى "المركز الإعلامي الإسلامي" الملحق بالإقامة العامة الفرنسية ويتولّى مراقبة كلّ ما تبثّه الإذاعة إلى جانب الرقابة المضروبة على كافة الصحف التونسية.

ومع اندلاع الثورة المسلّحة ضد المستعمر الفرنسي سنة 1952 انفصل المرحوم محمد الهادي الغالي عن العمل بالإذاعة وانخرط في العمل الصحفي بجريدة "الصباح" وقد توّلى مواكبة الأخبار الوطنية التونسية إلى جانب متابعة النشاط الحكومي، وبعد ثلاث سنوات دعي للقيام بمهام سكرتير التحرير بجريدة "صوت العمل" لسان الاتحاد العام التونسي للشغل أيام كان المرحوم أحمد بن صالح أمينا عاما له (1954-1956).

كما نُشرت للمرحوم محمد الهادي الغالي العديد من المقالات في جريدتي "النهضة " و "الزهرة" وفي ملحق جريدة "الصباح" المخصص للشباب، ثم توّجه للكتابة في النواحي السياسية بجريدة "الصباح".

ونشرت له "مجلة الإذاعة والتلفزة التونسية" العديد من المقالات، كما أدار جريدة بلادي الأسبوعية التي كانت تعنى بجاليتنا التونسية بالخارج.

يقول في حوار أجراه الحبيب جغام ونشرته " مجلة السفرة " التي يديرها الصحفي سعيد نويرة في العدد 15 مارس 2017:"كنت مولعا بمطالعة الصحف والمجلات، كما غرمت بالكتابة الأدبية، فكتبت القصة القصيرة والشعر ونشرت العديد من المقالات في جريدتي "النهضة" و"الزهرة"… كما أجريت تربصا بجريدة "الصباح" و نشرت في ملحقها المخصص للشباب عديد المقالات ، ثم توجهت إلى الكتابة في النواحي السياسية... وبعد ذلك التربص بجريدة "الصباح" عملت فيها كصحفي مخبر لمدة أربع سنوات، وفي سنة 1955 تحولت للعمل في جريدة " الشعب" لسان الاتحاد العام التونسي للشغل...".

وفي آخر سنة 1956 أنتدب المرحوم محمد الهادي الغالي للعمل بالإذاعة الوطنية التونسية، في البداية كمبرمج ثم كمذيع بقسم الأخبار إلى أن أصبح رئيس تحرير له. واشتغل ما يزيد عن 43 سنة في الإذاعة والتلفزة التونسية وفي مجال الإعلام حيث كانت له الكثير من التعاليق السياسية والخاصة على غرار " حديث اليوم" كما كان ينشر تلك التعاليق السياسية في الصحف التونسية.

وقد كان له الشرف ضمن كوكبة من المحررين الصحافيين الذين أوكلت لهم مهمة "تونسة" قسم الأخبار بالإذاعة الوطنية التونسية بعد الاستقلال، وقد فرض نفسه كأحد أبرز عناصر النشرات الإخبارية الرئيسية بصوته الجهوري وبتعاليقه الإذاعية الإخبارية الجيدة، وقد مكنه العمل بقسم الأخبار من مواكبة أدق المهمات الإعلامية مثل متابعة أخبار الثورة الجزائرية، زمن وجود الحكومة المؤقتة بتونس وتغطية أحداث ساقية سيدي يوسف سنة 1958، كما سافر مع الزعيم الحبيب بورقيبة لتغطية أهم الأحداث العالمية ، ونخص بالذكر القمم العربية والإفريقية واجتماعات الأمم المتحدة ، وقد ساعدته مواكبة هذه الأحداث المختلفة من ربط علاقات مهنية وطيدة وشخصية مع عديد رموز الصحافة العربية والدولية . 

يقول في نفس الحوار الذي أجراه الحبيب جغام ونشرته "مجلة السفرة" "...وجدت فريقا يتكون من المرحوم محمد علي بن سالم من أكودة بصفته رئيس تحرير، و المرحوم الهادي بالخامسة والمرحوم حامد الدبابي والمرحوم أحمد معالي وعبد الوهاب الرزقي الذي كان يكتب التعاليق ويساهم في اعداد نشرة الأخبار، …أما عن تونسة القسم فقد التحق به مجموعة من الشباب أذكر منهم أحمد العموري ومحمد قاسم المسدي وعبد الله عمامي وإسماعيل الأكحل وصالح شبيل ومحمد المحرزي، و برغبة من الزعيم الحبيب بورقيبة، وبعد "تونسة" الإذاعة، كان لنا شرف "تونسة القسم" والانتقال به من الأسلوب الفرنسي إلى أسلوب تونسي بحت..." وأضاف "...وقد كان الأستاذ الشاذلي القليبي مدير الإذاعة آنذاك حريصا على سلامة اللغة العربية من ناحية الكتابة والنطق، وقد أنتدب لأجل ذلك عددا من الشيوخ لتصحيح لغة المذيعين ومراقبة سلامتها قبل التقديم والتلاوة، حيث كان يعتبر الإذاعة التونسية بمثابة المدرسة العمومية ، لذلك تراه حريصا على أن تكون الإذاعة مرجعا لكل من يستمع إليها ...".

وإجابة عن سؤال حول أهم الأحداث السياسية التي قام بتغطيتها والبلدان التي مكّنته الإذاعة من السفر إليها قال:"... ما بقي راسخا بذاكرتي هي التغطية التي قمت بها بعد الهجوم الغادر الذي قامت به طائرات السلطات الاستعمارية الفرنسية على ساقية سيدي يوسف في 8 فيفري سنة 1958، لملاحقة المقاومين الجزائريين داخل التراب التونسي، لقد أجريت آنذاك تحقيقا كاملا وصفت فيه الحالة بعد الهجوم، كما نظمت وزارة الخارجية التونسية في ذلك الوقت زيارة إلى ساقية سيدي يوسف دعت إليها سفراء عدة بلدان عربية وأوروبية وافريقية وغربية، من بينهم سفير أمريكا (فوق العادة 1956-1959) "لويس جانس" (G. Lewis Jones) فأجريت أحاديث معهم ونقلت خاصة الشهادات التي أدلو بها، كما قامت الخارجية التونسية بإعداد كتاب في الغرض تمت ترجمته وتولى ايصاله المرحوم المنجي سليم إلى الأمم المتحدة وقُدّم كوثيقة شهادات حيّة من السفراء الأجانب سفير أمريكا وبلجيكيا وايطاليا على صمود هذه المدينة وعلى ما نالها من عدوان كوصف حيّ قدّمه السفراء عن الضحايا، ما جعل القضية تأخذ بعدا سياسيا كبيرا حيث كان العدوان الفرنسي يتكرّر على التراب التونسي وهي بلد مستقل في ذلك التاريخ. وقد قدّمت في الأثناء كلّ الأحاديث الصحفيّة التي أجريتها من خلال التسجيلات الصوتيّة ضمن فقرتين فرنسية وعربية..." وأضاف "...وأنا معتز لان الإذاعة الوطنية التونسية فتحت لي نافذة كبيرة على العالم للسفر لتغطية العديد من الأحداث الوطنية والعالمية حيث حظيت بتغطية أول قمة عربية سنة 1964 في القاهرة برئاسة الزعيم جمال عبد الناصر، وقد تمكنت من تسجيل تصريح إذاعي له، وهي المرة الأولى التي يصرح فيها لإذاعة عربية، مما أعطى للحدث قيمة معنوية وسياسية كبيرة، كما حضرت كل القمم الإفريقية وعدة مؤتمرات عربية وغربية، وخاصة قمم دول عدم الانحياز التي شاركت فيها أقطاب سياسية تاريخية على غرار الرئيس اليوغسلافي "الماريشال تيتو" (رئيس 1953-1980) والرئيس الهندي "جواهر لال نهرو" (رئيس وزراء الهند 1947-1964) الذين حققوا استقلال بلدانهم التي أصبحت تسمى في ما بعد بدول العالم الثالث...".

وقد ترأس المرحوم محمد الهادي الغالي إدارة تحرير نشرية " أخبار طبلبة" التي صدرت سنة 1999 حيث صدر من هذه النشرية 14 عددا، العدد الأوّل منها صدر في جوان 1999 والعدد الأخير العدد 14، صدر في ماي 2002.

 كما كان المرحوم محمد الهادي الغالي رئيس التحرير الشرفي لمجلة "السفرة" وهي مجلّة محليّة دورية إخبارية اجتماعية ثقافية أشرف على إدارتها الصحفي سعيد نويرة، حيث صدر عددها الأوّل في جانفي 2012 ودام صدورها سبع سنوات (2012-2018).

انخرط المرحوم محمد الهادي الغالي في العمل الجمعياتي حيث ترأس جمعية الصحافيين التونسيين التي أنشئت في ستينات القرن العشرين (1969). وكان من مؤسسيها ومن مؤسسي عديد المشاريع الاجتماعية والسكنيّة لفائدة العاملين في القطاع الإعلامي.

كتب خالد بن فقير الصحفي بالإذاعة التونسية (متقاعد) ورئيس جمعية قدماء الإذاعة والتلفزة التونسية في تعليق على خبر وفاة المرحوم محمد الهادي الغالي :" رحم الله الأستاذ الهادي الغالي الذي على يده قمت بأول نقل اذاعي لنشاط الزعيم الحبيب بورقيبة في قلعة الأندلس من ولاية بنزرت كان مديرنا للأخبار في أواسط السبعينات، هو مدرسة تخرجت على يديه أجيال من الصحفيين أمثال محمد قاسم المسدي وأحمد العموري ومحمود صابر وحامد الدبابي وصالح شبيل ومحمد الحبيب حريز ومحمد رؤوف يعيش ونور الدين المازني وعبد المجيد الشعار وخالد بن فقير ومحمد صميدة ومحمد قوية وغيرهم... انا لله وانا اليه راجعون"

لطفي جمعة (20 مارس 2024)

المراجع: *مجلة "السفرة" العدد 05 جانفي 2013-قيدوم الصحافة في تونس الأستاذ الصحافي محمد الهادي الغالي

          " رحلة في مهنة المتاعب من عهد الاستعمار...وذكريات لا تمحى عن التحقيقات والأخبار"

        *مجلة "السفرة" العدد 15 مارس 2017-الأستاذ الهادي الغالي " قمّة إعلامية إذاعية تونسية" 

        عبد الستار النقاطي –"الإعلامي الهادي الغالي غطى أحداث ساقية سيدي يوسف سنة 1958 وأجرى حوارا إذاعيا 

        حصريا للزعيم جمال عبد الناصر..."-الموقع الالكتروني "بوابة الإذاعة التونسية" -9/9/2019





إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال