كان له الدور "اللوجستي" خلال معركة 23 جانفي 1952 بطبلبة
ولد المناضل المرحوم عبد القادر بن فرج بن محمد النقبي في 23 جانفي 1906 بطبلبة، وتوفي بها في 27 فيفري 1966. انخرط منذ شبابه في العمل الحزبي القاعدي إلى أن تحمّل مسؤولية عضوية الشعبة الدستورية بطبلبة من سنة 1944 إلى سنة 1947 ومن سنة 1948 إلى سنة 1952.
انضمّ المناضل المرحوم عبد القادر بن فرج النقبي إلى صفوف المقاومة حيث عهدت له القيام بعدّة عمليات ضدّ المستعمر بطبلبة وغيرها من المدن حيث ساهم في تقديم العون للمقاومين والتخطيط للعمل المسلّح بطبلبة وسوسة ممّا عرّضه للمحاكمة والاعتقال. فقد كان رافضا منذ ثلاثينات القرن العشرين لدفن المتجنسين في المقابر الإسلامية معبّرا عن ذلك بالمشاركة في الاحتجاجات أو حتى بالإقدام على نقل الجثث من المقابر الإسلامية، حتّى بعد صدور المرسوم الذي يجيز بإنشاء مقابر خاصة للمتجنسين المسلمين في 6 ماي 1933، وقد كانت هذه المقابر الخاصة معروفة لعامة الناس باسم "مقابر الجيَف".
يقول المناضل حسن معرّف في شهادة شفوية نشرت في كتاب "لم يناموا على الذلّ" لعبد الحميد العلاّني:" ...توفي صالح بن (ع)...متجنس من عائلة كبيرة ودفن في مقبرتنا (بسوسة) بالقوّة ورغم إرادة السّكان أتانا عبد القادر النقبي عضو في شعبة طبلبة آنذاك قال: تأتي معنا لننقله من مقبرة المسلمين...اجتمعنا في الليل في حانوت حلاق بطبلبة. ومع الساعة الثانية بعد منتصف الليل ذهبنا إلى المقبرة وكنّا خمسة أشخاص: عبد القادر النقبي ومحمد التركي وحسن عرفة وعلي الجنزري وحسن معرّف...وصلنا المقبرة رأينا ضوءا وأربعة أشخاص متجنسين حسن...أحمد...وعلي...ومحمد...اختبأنا تحت الهندي ولمّا رأيت ذلك قلت لا نلقي بأنفسنا للتهلكة ربما كانوا مسلحين... وبعد ذهابهم نأخذه ولو جيفة... وبعد رجوعي إلى بيتي جاءني "خديم" الشيخ فذهبت إليه فقال يريدك "القايد" فذهبت وترقبت بقية الجماعة، رفاقي الأربعة ثمّ دخلنا على القايد. التفت إليّ وقال:" يا خسارتك، بلغني أنّك صنائعي وفنّي، ما أجبرك على دخول هذه المعامع" قلت " من فضلك هناك أمر عليّ صادر في دفن المتجنسين في مقبرة خاصة بهم" وإذا به تفحش في القول معي وقال " هيّا طبّقه أنت" وأخذونا للسجن (برج الرأس) به رائحة كريهة، وكلّ يوم خميس يأخذوننا إلى " القايد" فيقول: " هل تتراجعون فنطلق سراحكم" كنّا نعيد نفس الجواب" إدا تراجع زعماؤنا نتراجع". فيأخذوننا من جديد إلى السجن. بقينا شهرا أو ثلاثة وعشرين يوما، وكان لي ابن عمّي عليّ معرّف قابض بريد ذهب "للقايد" وقال له:" حاكمهم أو أطلق سراحهم"، فأطلق سراحنا".(1)
وقد ساهم المناضل المرحوم عبد القادر النقبي في معركة 23 جانفي 1952 مساهمة فعّالة من حيث الإعداد والمشاركة، كما كان له الدور "اللوجستي" خلال هذه المعركة.
هذا وقد تحصّن المناضل عبد القادر النقبي بالفرار بعد معركة 23 جانفي 1952 خارج المدينة بطبلبة وفي أحد أرياف المكنين وبالبقالطة. يقول المناضل عبد السلام شبيل في مذكراته "كرّاس الأسرار":"...وسمحت لنا الظروف بملاقاة الأخ البشير شبيل والأخ "قادر" (عبد القادر) النقبي والأخ الحبيب بالغالي ساهرين خارج البلدة تحت الأرض... (نفق 20 مترا وبعده بيت تحت الأرض يبتعد كيلو متر ونصف على طبلبة) ودرسنا الحالة ومواقف مشايخ البلدة...وفررنا بطريقنا إلى "العيثة" لنسترشد بتلطّف عن بعض الرفاق. وعند وصولنا إلى الغابة سمعنا دويّا كبيرا من كلّ جانب. فقد طوّقت البلدة من الداخل والخارج حتى عمّ الحصار برا وبحرا، ونزل الجند اللّفيف...من فرنسيين واستعماريين، بما يزيد عن عشرة آلاف...بدبابات مصفحة ومدافع ثقيلة واحتلوا جميع البناءات التي على الطريق العام و"الأنقار" والمكتب...من حدود قصر هلال وصيّادة إلى حدود البقالطة..".(2)
وقد أعتقل المناضل المرحوم عبد القادر النقبي بعد مطاردة عنيفة من طرف عسكر المستعمر، وقدّم للمحاكة بتهمة التمرّد على أعوان القوّة العمومية وحيازة أسلحة، وبعد ما يقارب السنة من الاعتقال رأت المحكمة الدائمة للقوات المسلّحة بتونس في 6 جانفي 1953 أنّه لم يحدث ما يدعو للمتابعة فيما يخصّ المناضل عبد القادر النقبي وأمرت بوضعه في حالة سراح دون تأجيل إذا لم يقع اعتقاله لسبب آخر.
لطفي جمعة (مراجعة: 20 جوان 2021)
ـــــــــــــــ
*نشر بجريدة "الشروق" العدد 5848 السنة 17، الثلاثاء 9 جانفي 2007 ص 6
(1) عبد الحميد العلاّني، "لم يناموا على الذلّ"، شركة نون الرّسم والنشر والصحافة، تونس 2006 ص 309
(2) رمضان بن ريانة وعادل بالكحلة-"طبلبة: التقليدية والحداثة في المجتمع العربي""، مطبعة توب للطباعة، تونس 2003.ص 177 ج 5 ط1
الكاتب : لطفي جمعة