مولده ودراسته
ولد المرحوم الهادي التومي بسوسة في 15 جوان 1933 وتوفي يوم 16 ماي 2016 ووري جثمانه الثرى يوم 17 ماي 2016 بمقبرة الجلاز بتونس. زاول تعليمه الابتدائي بالمدرسة الفرنسية العربية بطبلبة أين تحصّل على شهادة ختم الدروس الابتدائية سنة 1946، كما اجتاز بنجاح امتحان الدخول إلى السنة الأولى من التعليم الثانوي، وتمّ توجيهه إلى المعهد الثانوي للذكور بسوسة، حيث تحصّل على البكالوريا سنة 1954. ثمّ سافر إلى باريس لمواصلة تعليمه العالي بالجامعة الفرنسية حيث أحرز على الإجازة في الحقوق والعلوم الاقتصادية.
مسيرته المهنية
باشر المرحوم الهادي التومي العمل بالبنك المركزي التونسي من سنة 1958 إلى سنة 1993. وقد كان المرحوم أحد أعمدة البنك المركزي التونسي منذ تأسيسه في 19 سبتمبر 1958 وقد تدّرج إلى عديد الرتب بالبنك إلى أن تقلّد منصب مدير عام ونائب محافظ البنك المركزي، وقد عمل المرحوم مع العديد من محافظي البنك المركزي التونسي ورؤساء مجلسه بدءا بالمرحوم الهادي نويرة (1958-1970) وعلي الزواوي (1970-1972 ومحمد غنيمة (1972-1980) ومنصف بلخوجة (1980-1986) ومحمد الصخيري (1986-1987) وإسماعيل خليل (1987-1990) ومحمد الباجي حمدة (1987-1990). وقد ساهم المرحوم الهادي التومي في توحيد البنك المركزي منذ إنشائه وفي تدريب العديد من المصرفيين المحليين. وقد احتاجته الحكومة في فترة من الفترات وعهدت له بإدارة الشركة التونسية للملاحة فعيّن مديرا عاما للشركة التونسية للملاحة من 15 جانفي 1972 إلى 10 جانفي 1973. وبعدها عاد المرحوم الهادي التومي للعمل في القطاع البنكي وقد كلّف بتأسيس البنك التونسي الليبي الذي كان أوّل رئيس مدير عام له، ومن بعد بنك شمال افريقيا للتجارة الخارجية، إلى جانب مشاركته في العديد من مجالس إدارة مؤسسات مصرفية تونسية وأجنبية، ثمّ عيّن رئيس مدير عام للوكالة الوطنية للتبغ والوقيد، كما اضطلع بمهام الرئيس المدير العام لديوان الصناعات التقليدية (1989).
نشاطه الجمعياتي والشأن المحلي
انخرط المرحوم الهادي التومي في العمل الجمعياتي منذ خمسينات القرن العشرين، حيث ساهم في تأسيس العديد من الجمعيات الثقافية والرياضية المحليّة. فقد كان من بين مؤسسي جمعية البعث الثقافي بطبلبة التي تأسست سنة 1954، وتوّلى رئاستها حيث بقي متحمّلا لهذه المسؤولية قرابة خمس سنوات، ثمّ توّلى بعده علي بن حسن جماعة رئاستها الذي بقي متحملا هذه المسؤولية قرابة ست سنوات. وقد ترأس المرحوم الهادي التومي الهيئة المديرة لجمعية النسر الرياضي بطبلبة وقد كانت فترة ترأسه لهذه الجمعية من أطول الفترات وأكثرها ثراء.
انضم المرحوم الهادي التومي إلى المجلس البلدي سنة 1966 برئاسة المرحوم المنصف التركي وانتخب مساعدا للرئيس في دورتين 1966-1969 و1969-1972. ثمّ أنتخب رئيسا لهيئة المجلس البلدي لفترة 1972-1975. لقد كان للمرحوم الهادي التومي الفضل في دخول طبلبة لميدان النسيج خلال سبعينات القرن العشرين لمّا كان من بين إطارات البنك المركزي السامية ورئيس بلدية مدينة طبلبة حيث شجّع المستثمرين الطبلبية وغيرهم في الاستثمار في هذا القطاع بطبلبة وبذلك أصبحت طبلبة مركزا لهذه الصناعة يقصده العمال والعاملات بالآلاف من كافة القرى المجاورة.
يقول الخبير و الصناعي الهاشمي الحبيب الكعلي في محاضرة حول تاريخ مسيرة النسيج في بناء الدولة الوطنية ألقاها بمؤسسة التميمي للبحث العلمي و المعلومات يوم 22 ماي 2010:" و الجدير بالذكر أن قانون 1972 بفضل مداخله من العملة الصعبة و توفيره لمواطن الشغل الموزعة على مصانع شملت كامل ولايات الجمهورية و إحداثه لأقطاب صناعية بجهات لم تكن معروفة بتقاليد صناعة النسيج و من بينها مدينة طبلبة التي عرفت بالباكورات و الصيد البحري أصبحت اليوم قطبا في صناعة التريكو. مدينة طبلبة يرجع دخولها لميدان النسيج للسبعينيات لما قام التاجر و الصناعي الماهر المرحوم محسن بن محمد الكعلي بزيارة للبنك المركزي لقضاء بعض الشؤون الإدارية أين استقبله السيد الهادي التومي أحد إطارات البنك السامية و رئيس بلدية مدينة طبلبة في نفس الوقت و قد أبدى هذا الأخير أثناء حديثهما رغبة في البحث على من يريد الاستثمار بمسقط رأسه فأجابه المرحوم محسن الكعلي بأن لديه مشروع جاهز للإنجاز في انتظار توفر المكان المناسب فوجدا الحل و اتفقا وأنجزا ما أراده حيث تم إنشاء شركة الرضيع والتحق بهما الحاج عبد الرزاق تقية فأنشأ هو الآخر مصنعا لغزل خيوط الأكرليك كما تكونت شركة التريكو البلجيكية التي جعلت من طبلبة مركزا لهذه الصناعة يقصده العمال و العاملات بالآلاف من كافة القرى المجاورة به ما يقارب عن 5000 موطن شغل".
وقد كتب الأستاذ الطاهر بوسمة بمجلة "السفرة" في عددها 14 بتاريخ سبتمبر 2016 مقالا بعنوان " خواطر حول الصديق الحميم المرحوم الهادي التومي": " لم تكن صداقتي بالمرحوم وليدة الصدفة أو المصلحة بل كانت صداقة العمر كلّه إذ كنّا من بلدة واحدة طبلبة ومن حيّ واحد يجمعنا مقام الولي الصالح سيدي عيّاش صاحب الأفضال على البلدة التي كانت مقصدا وموطنا للقرى والأرياف المجاورة وحتّى لأبناء القطر الليبي الشقيق. وكان مبيت زاويته المخصّص للطلبة المهاجرين موضعا يوفّر لهم الإقامة في ظروف حسنة لما أهمل حكام ذلك العصر مصيرهم. كنّا مع غيرنا من رواده نؤم قبّة ذلك الولي وزاويته تلك في العطل المدرسية لحفظ نصيب من القرآن الكريم ومراجعة دروسنا. تخرّج المرحوم من المدرسة الفرنسية قبلي إذ لم أدخل إلى التعليم العمومي إلا بعد فتح المدرسة القرآنية التي شيّدت بفضل جهد الخيرين من "الطبلبيين" وغيرهم ورفعت عن كثير منّا الأميّة. اجتاز هو امتحان الدخول إلى التعليم الثانوي بنجاح وتمّ ترسيمه بالمعهد الثانوي بسوسة حيث تحصّل على شهادة البكالوريا التي خوّلت له متابعة التعليم العالي بمعهد الدراسات العليا واختار مادة العلوم الاقتصادية وتخرّج بتفوّق في سنوات كانت تونس قد استقلت وباتت في حاجة إلى الإطارات العليا. وهكذا أنتدب بالبنك المركزي التونسي ليصبح بعد مدّة من قاماته الرفيعة زمن المرحوم الهادي نويرة الذي أنشأ الدينار التونسي وأصبحنا في عهد بورقيبة نعتز به ونقضي به حوائجنا الأساسية. احتاجته الحكومة بعد مدّة وعهدت له بإدارة الشركة التونسية للملاحة فطوّرها لتصبح مفخرة النقل البحري الوطني، لتصدير وتوريد الإنتاج التونسي وحمل الركاب القاصدين أوربا والعائدين منها رغم تزاحم الناقلين البحريين الآخرين ولترفع علم تونس عاليا ونفتخر بها في مرافئ الدنيا بالقدر الميسور. عاد الهادي التومي بعد تلك المرحلة المهنية للعمل في القطاع البنكي وبفضله أنشأ البنك التونسي الليبي ومن بعد بنك شمال افريقيا للتجارة الخارجية ليسهل التبادل الاقتصادي بين تونس ومحيطها المغاربي. شغل بعض الوقت منصب الرئيس المدير العام للوكالة التونسية للتبغ والوقيد. ثمّ عهدت إليه بإدارة الديوان الوطني للصناعات التقليدية فقام بتطويره. تلك هي مسيرة المرحوم في بناء تونس الحديثة داخل الإطار الرّسمي وفي الزمن البورقيبي الذي بتنا ننتمي إليه نحن أجمعين. لم يكتف بذلك بل كان مرتبطا بطبلبة وتحمّل رئاسة بلديتها لدورة واحدة في زمن العسر فأعطاها من وقته وحماسه وترك من الإنجازات العدد الكبير الذي نفتخر به جميعا. كما ترأس جمعية النسر الرياضي مفخرة الشباب الطبلبي. فكانت مدّته مناسبة لتعدد الاختصاصات الرياضية وخروجها من محيطها المحلي بتنويع الرياضات الفردية والجماعية فيها وكان من نتيجة ذلك تفوقها في كرة اليد للفتيات وقدرتهن على أخذ مكانة مميزة بين الفرق المحليّة والعربية. كما اهتمّ بالثقافة منذ صغره وترأس جمعية البعث الثقافي بطبلبة في زمن لم تكن تونس تنعم بالاستقلال فكانت تلك الجمعية وسيلة لتثقيف الطبلبيين. وكان أيضا عنصر تجميع أبناء طبلبة في العاصمة فأزال عنهم الغربة وحبّب إليهم الأعمال الجمعياتية... وفي النهاية... أناشد بلدية طبلبة أن تخلد ذكره فتسمّي نهجا من أنهجها الرئيسية باسمه".
لطفي جمعة (22 أفريل 2021)