" عزلته السلطة الاستعمارية عن إدارة المدرسة الفرنسية العربية بطبلبة
لرفضه التعاون معها ضدّ الأهالي "
ولد المناضل والمربّي المرحوم فرج بن أحمد جماعة في 15 ديسمبر 1920 بطبلبة وتوفي بها في 25 ديسمبر 2005. بدأ تعليمه بالكتّاب أين حفظ ما تيسّر من القرآن، ثمّ التحق بالمكتب "المدرسة العربية/الفرنسية" بطبلبة حيث تحصّل على الشهادة الابتدائية في غرّة جوان 1932. درس بجامع الزيتونة الأعظم بالعاصمة مدّة أربع سنوات، وكان بالتوازي يتابع الدروس الليلية التي كانت تلقى بمدرسة الخلدونيّة والتي تخرّج منها بشهادة "الديبلوم العربي" BREVET D’ARABE. ثمّ التحق بمدرسة ترشيح المعلمين بتونس حيث تخرّج بديبلوم مدرسة ترشيح المعلمين، ممّا خوله الالتحاق بالتدريس بالمدارس الابتدائية حيث عيّن لأوّل مرّة للتدريس سنة 1940 بجزيرة قرقنة، ثمّ بمدينة سليمان والقلعة الصغرى وطوزة وبها كلّف لأوّل مرّة بإدارة المدرسة الابتدائية. وفي 25 سبتمبر 1949 عيّن بمثل خطّته بالمدرسة العربية/الفرنسية بمسقط رأسه طبلبة عوضا عن الفرنسي "بلاسكو"، إلاّ أنّه قبل نهاية السنة الثالثة من إدارته للمدرسة يقال من منصبه ويعوّض في شهر فيفري 1952 بمدير فرنسي لرفضه التعاون مع المستعمرين. وبعد الاستقلال يتسلّم للمرّة الثانية إدارة المدرسة بصفة وقتية من مديرها الفرنسي. وفي 20 سبتمبر 1956 يعيّن مديرا لها من جديد بصفة رسميّة. وفي شهر سبتمبر 1961 يعيّن متفقدا للمدارس الابتدائية بدائرة القيروان ومنها انتقل إلى حمّام الأنف ثمّ إلى دائرة المنستير حيث أحيل على التقاعد سنة 1980.
نشط في عديد الجمعيات المحليّة الأدبية والثقافية فكان من مؤسسي "النادي الأدبي" الذي تأسس سنة 1937. انخرط بالحزب الدستوري الجديد وناضل في صفوفه قبل الاستقلال وبعده وساهم في معركة 23 جانفي 1952 رافضا التعاون مع المستعمر حيث كانت نتيجة رفضه، عزله عن إدارة المدرسة الفرنسية/العربية وتعويضه بمدير فرنسي اسمه "كوربان". يقول مبيّنا حادثة إقالته عن إدارة المدرسة في شهادته الشفوية المنشورة بكتاب "طبلبة التقليدية والحداثة في المجتمع العربي" للأستاذين رمضان بن ريانة وعادل بالكحلة: "يوم الأربعاء 23 جانفي 1952 وبصفتي مديرا للمدرسة الابتدائية بطبلبة خرجت كعادتي إلى الطريق العام في حدود الساعة الثامنة صباحا لأراقب التلاميذ في دخولهم إلى الساحة حتّى لا يتعرّضوا إلى أخطار الطريق...وفي الأثناء وقفت بجانبي سيّارة أجرة تحمل العلم التونسي...وكانت حادثة وقوف السيّارة الرّافعة للعلم يراقبها معلّم فرنسي اسمه "فرنسوا روبيشون" فظنّ أنّ السائق في محادثته لي كان يحيطني علما بالحوادث التي كانت تجري صبيحة نفس اليوم بمدينة المكنين، وأنّه زوّدني بمعلومات سريّة. وحوالي الساعة الثانية والربع من نفس اليوم...حيث دخل كلّ التلاميذ في إضراب عن الدّروس طوال ذلك اليوم، اقترح عليّ نفس المعلّم الفرنسي أن أسمح له ولزملائه المعلّمين بمغادرة المدرسة والانصراف لقضاء شؤونهم، خاصة وأن قاعات التّدريس فارغة من التلاميذ، فوجدت الاقتراح وجيها، وسمحت لهم بالانصراف. وفي شهر فيفري 1952 ازدادت الحالة بطبلبة تأزما عسكريا ظاهرا فزارني عشيّة يوم منه, مدير التعليم العمومي "لوسيان باي" LUCIEN PAYE صحبة أهمّ أعضاده وانفرد بي في زاوية من زوايا "الظلّة" وأخذ يستفسرني عن معركة 23 جانفي الفارط فقال لي :"هل شارك بعض الأجانب في المعركة؟". فتظاهرت له بعدم فهم سؤاله، وما يقصده بكلمة ETRANGER فأجبته بأنّ لا أحد من القرى المجاورة شارك في المعركة. فنبّهني إلى أنّ المقصود من الأجنبي الدول الأجنبية فأجبته بالنفي. فسأل: "هل قمت بتطبيق ما ورد في منشوري الأخير الذي يدعو إلى طرد كلّ تلميذ شارك في الإضراب أكثر من ثلاثة أيّام؟" (علما أنّ التلاميذ أضربوا عن الدراسة مدّة اثني عشر يوما متوالية).فأجبته بالنفي، حيث إنّي أعتبر أن التلاميذ المضربين غير مسؤولين عن الإضراب فقال لي: "الدّستور هو الذي يحرّض على الإضراب". فأجبته "يبدو لي ذلك". فسألني: "ما قصّة السيّارة التّي وقفت حذوك صباح يوم 23 جانفي". فأجبته: "اسأل السيّد المتفقد الفرنسي ليجيبك عن هذا السؤال"...فسأل: "يوم 23 جانفي وعلى الساعة الثانية والربع عشية، أي قبل المعركة بقليل، أمرت المعلّمين بمغادرة المدرسة، ما سبب ذلك؟ أكنت تعلم بما أعدّه "الطّبلبيون" إلى الفرقة العسكرية؟". فكان جوابي أنّي لبيّت اقتراح المعلّم الفرنسي "روبيشون" الذي رأى من المصلحة أن يعود كلّ واحد من المعلّمين إلى منزله لقضاء شؤونه...فقال لي آمرا: "اعطني جميع التفاصيل عن المعركة وسمّ لي أهمّ العناصر الذين نظّموها وقاموا بها؟". فأجبته: "لا علم لي بذلك" فقال بعد تفكير: "لست بالرجل الذي أريده" فقلت له: "فتّش عنه يا سيّدي". ولم ينقض شهر فيفري من سنة 1952 حتّى عزل ابن البلدة عن إدارة المدرسة وعوّض بضابط عسكري يعمل بالجيش الفرنسي، اسمه "كوربان"(1).
وقد توّلى المناضل المرحوم فرج بن أحمد جماعة بعد الاستقلال رئاسة شعبة السكرين لمدّة خمس سنوات منذ تأسيسها سنة 1978 إلى سنة 1983.كما تحمّل عضوية المجلس البلدي بطبلبة منذ إحداث البلدية، فكان عضوا بالنيابة الخصوصية من 20 مارس 1960 إلى 24 ماي 1960 وعضوا بأوّل هيئة للمجلس البلدي المنتخب من 1960 إلى 1963.كما أنتخب مساعدا خلال المدّة النيابية 1975-1980, والمدّة النيابية 1980-1985.
وقد حضي المناضل والمربي المرحوم فرج بن أحمد جماعة بالتكريم لنشاطه الغزير في الميدان التربوي والاجتماعي والسياسي حيث تقلّد بمقتضى قرار مؤرخ في 24 جانفي 1983 الصنف الذّهبي من وسام الشغل، ومُنح الصنف الرابع من وسام الاستقلال في 3 أوت سنة 1979,جزاء لجليل أعماله من أجل تحرير الوطن واسترجاع عزّته وكرامته.
وقد صدر للمربي المرحوم فرج بن أحمد جماعة سنة 2005 عن مؤسسة سعيدان للنشر كتاب "العربية والترادف" جاء في 238 صفحة، هو عبارة عن مجموعة من الدروس تواكب مستوى تلامذة السنتين الخامسة والسادسة من التعليم الأساسي. ينقسم الكتاب إلى قسمين كبيرين: القسم الأوّل خصص لسير الدروس يتضمن 41 درسا والقسم الثاني يحتوي الاجابات عن الأسئلة التي وردت فيه واضافات لتركيز معاني المترادفات.
"العربية والترادف" للمربي المرحوم فرج بن أحمد جماعة عبارة عن حصيلة تجربة للمؤلف طويلة وثرية في التدريس والتفقد بالمدارس الابتدائية رأى فيها أنّ حظّ دراسة مادة "الترادف" اللغوية من الاهتمام يبقى دون ما تناله المواد الأخرى من عمق في الدراسة ومن عناية بالمردود، فكانت غايته من تأليفه لهذا الكتاب إعطاء هذه المادة ما تستحقه من اهتمام وعناية والسمو بلغة الطفل والقضاء على ما يسمع من خلل وغموض بالإضافة إلى إعانة المربين على أداء رسالتهم التربوية النبيلة حيث يقول في مقدّمة الكتاب:"…لماذا اختيرت العبارة "العربية والترادف" عنوانا لهذه المجموعة من الدروس دون غيرها؟ لأن حظ دراسة هذه المادة اللغوية "الترادف" من الاهتمام يبقى دون ما تناله المواد الأخرى من عمق في الدراسة ومن عناية بالمردود. ودراسة ترادف الكلمتين أو الكلمات في اللغة العربية وما تتعرض له من تشابه وتماثل ونحوها والعمل على ضبط ذلك وتدقيقه من شأنه أن يرتفع بلغة الطفل ويقضي على ما يسمع من خلل وغموض. وتدريب الطفل العربي، منذ نعومة أظافره، على توظيف الترادف فيما وضع له وعن وعي وبصيرة، من شأنه أن يسموا بلغته الفتية ويكسبها من النقاوة والفصاحة القدر المطلوب..".
لطفي جمعة (مراجعة 30 جانفي 2021)
*نشر بجريدة "الشروق" العدد 6710 السنة 17، الثلاثاء 20أكتوبر 2008ص16
(1) رمضان بن ريانة وعادل بالكحلة-"طبلبة: التقليدية والحداثة في المجتمع العربي"، مطبعة توب للطباعة، تونس 2003.ص 97 ج 5 ط1
*كلمة تأبين المرحوم بقلم الأستاذ رمضان بن ريانة
*تمّت مراجعة هذه المعطيات بمساعدة صهره علي بن حسن جماعة في مقابلة معه بتاريخ 7 جويلية 2009