ولد الأستاذ الدكتور إلياس بن علي بديرة سنة 1963 بطبلبة وتوفي بالعاصمة الكندية "أوتوا" في 13 أوت 2020. زاول تعليمه الابتدائي والثانوي بعدة مدن تونسية في السبعينات من القرن الماضي بحكم انتقال والده للتدريس بمعاهد هذه المدن. وكان لمدينة النفيضة المكانة الهامة لديه نظرا لقضاء معظم طفولته بها.
تحصل على شهادة البكالوريا سنة 1981 وخوّله نجاحه بامتياز في شهادة الباكالوريا الحصول على منحة حكومية للدراسة في الولايات المتحدة الامريكية بدأها في جامعة "توليدو" بدراسة اللغة الانكليزية، ثم تحصل على شهادة الهندسة من جامعة فلوريدا في اختصاص الهندسة الكهربائية 1982-1985)، ثم شهادة الماجستير في الهندسة الكهربائية من جامعة بورديو (1985-1987). ثمّ انتقل بعد ذلك إلى جامعة "كونكورديا" بمونتريال حيث تحصل على درجة الدكتوراه في مجال الهندسة الكهربائية والحاسوب سنة 1995 بتأطير من طرف أحد أبرز العلماء في التقنية الرقمية في ذلك الوقت في أمريكا الشمالية الأستاذ "ميلميستاين". وبحصوله على هذه الشهادة دخل الدكتور إلياس بن علي بديرة عالم الابتكار والافادة العلمية والصناعية.
فضّل المرحوم الدكتور إلياس بن علي بديرة بعد تخرجه من جامعة كونكورديا الدخول إلى الميدان الصناعي وعمل في شركة "نورتال نتووركس" بمدينة "اوتاوا" وهي من أهم الشركات العالمية في ذلك الوقت في ميداني الاتصالات الرقمية والبصرية. وفي سنة 2002 قرّر المرحوم الدكتور إلياس بن علي بديرة الالتحاق بهيئة التدريس بجامعة الشارقة بالإمارات العربية المتحدة التي لم يمر على تأسيسها سوى بضع سنوات.
وفي سنة 2008 قرّر المرحوم الدكتور إلياس بن علي بديرة الرجوع الى كندا والالتحاق بجامعة "كوينس" كباحث ومؤطر شهادتي الماجستير والدكتوراه و كان عنصرا فاعلا و مبدعا في مخبر الاتصالات اللاسلكية. وقد كتب العديد من المقالات العلمية حيث كان من المنظّرين الأوائل لما يعرف اليوم بالاتصالات الذكية (cognitive communications). كان تنظيره لتوجه الاتصالات الرقمية من بدائية الى ذكية استنادا الى الذكاء الصناعي (Artificial Intelligence) هو ما يحكم اليوم و سيحكم غدا العديد من المجالات كأنترنات الأشياء وشبكات الاستشعار(Sensor Networks) و المعلومات الكبرى (Big Data).
في سنة 2010 أبى المرحوم الدكتور إلياس بن علي بديرة إلاّ أن يعيد تجربته العربية و لكن هذه المرة في جامعة طيبة بالمدينة المنوّرة. وفي سنة 2012 عرض عليه الالتحاق بجامعة رأس الخيمة بالإمارات العربية المتحدة التي لم يمض على قرار إنشائها سوى أشهر معدودة، فقبل بهذا العرض وهذا التحدي اذ كان من مهامه المساهمة في إنشاء كلية الهندسة وتكوين قسم الهندسة الكهربائية والحاسوب. وخلال تلك الفترة وإلى سنة 2015 كان له مساهمة فعالة في تكوينها وتأطير الهيئة التدريسية.
وقد كانت تدوينات المرحوم الدكتور إلياس بن علي بديرة بصفحته على الفايس بوك وخاصة في سنواته الأخيرة في قضايا دينية وسياسية تلقى اهتماما كبيرا من رواد الشبكة الافتراضية وتثير جدلا عند البعض واستحسانا عتد البعض الآخر وقد بدأت عائلته في جمعها قصد نشرها.
وفي سنة 2015 عاد الدكتور إلياس بن علي بديرة الى مدينة اوتاوا وبدأ صراعه مع المرض إلى أن توفي بها في 13 أوت 2020.
يقول الأستاذ الدكتور محمد بن خليفة ابن كحلة عن المرحوم الدكتور إلياس بن علي بديرة:" ودعنا يوم 13 أوت 2020 الاستاذ الدكتور إلياس بن علي بديرة وبرحيله خسرت مدينة طبلبة ابنا بارا، وخسرت تونس والعالم العربي والاسلامي قامة علمية وأكاديمية هامة، كما خسرت العاصمة الكندية أوتوا عالما ومخترعا ساهم في نهضتها التكنولوجية... تشرفت في السنة الجامعية 2005-2006 بالالتحاق بهذه الجامعة كأستاذ زائر وكان للدكتور إلياس دورا في مقدمي الى هناك وكان مكتبي ملاصقا لمكتبه. تعرفت عليه أكثر خلال هذه الفترة كإنسان ومثقف ومبدع ومدرس. كان شديد التفاني والاخلاص في عمله، كثيرا ما يمضي الاوقات الطويلة مع الطلبة خارج أوقات التدريس لتأطيرهم والاجابة عن اسئلتهم. كما ألفتني حبه لرقي وتعلم المرأة العربية حيث كان مدرسا أيضا في القسم النسائي من الجامعة. كان يؤمن بدور المرأة الأساسي في النهوض بالمجتمع العربي والإسلامي كان من المكتشفين والمؤطرين للكثير من المهندسات الاماراتيات وغيرهن من الجنسيات العربية واللاتي تقلدن مناصب هامة في الدولة".
ويقول السيّد محمد زريق عضو مجلس نواب الشعب عن المرحوم الدكتور إلياس بن علي بديرة:" إنك إذا بحثت عن الأخوة والصداقة فاعلم أن عنوانهما إلياس، تجد فيه أخا وصديقا يراعي حق الأخوة والصداقة ويعاملك بصدق وأمانة وإذا بحثت عن الرأي الحر فاعلم أن عنوانه إلياس، شجاعا وجريئا في عرض آرائه شرسا في الدفاع عنها، يقولها ولا يخشى اعتراضك ولا حتى إعراضك، كان صعب المراس لا يحتويه إطار ولا تشكله قوالب، ولكنه لا يعادي ولا يباغض بل سمحا مع شدته، يبهرك بابتسامته في أشد حاله من الغضب وإذا بحثت عن العلم والثقافة فاعلم أن عنوانهما إلياس، موسوعة في كل مجال، يتحفك بما يفيدك بأسلوب لطيف و ببداهة عجيبة وإذا بحثت عن التواضع فاعلم أن عنوانه إلياس، فرغم علمه وشهائده لا تراه مباه ولا مفاخر ولا تراه مغرما بالمواقع ولا بالألقاب بل هو التواضع يمشي بين الناس وإذا بحثت عن الصبر المفعم بالإيمان، فاعلم أن عنوانه إلياس، صارع المرض بكل بسالة حتى أنك إذا رأيته يتحدث عن المرض تحسب نفسك أمام حلبة صراع يخوض فيها منافسان شرسان معركة إرادات دامية، وما حال بينهما سوى الأجل الذي قدره الله سبحانه وتعالى، ولو أنك سألت ذاك المرض الخبيث لإعترف لك أنه ما انهزم يوما كما انهزم أمام هذا الجبل الشامخ."
لطفي جمعة( 27 سبتمبر 2020)
المرجع: تدوينة للأستاذ الدكتور محمد بن خليفة ابن كحلة والسيّد محمد زريق عضو مجلس نواب الشعب