"آوى الزعيم الحبيب بورقيبة بمنزله وساهم في جمع التّبرعات لتمويل رحلته إلى المشرق قصد التعريف بالقضية الوطنية وكسب الأنصار"
ولد المناضل المرحوم محمّد بن قاسم بن يونس جمعة (شهر الدڤي) بطبلبة في 29 جويلية 1908 وتوفي بها في 22 مارس 1987.انخرط بالحزب الحر الدستوري التونسي الجديد منذ انبعاثه في 2 مارس 1934.وقد كانت تربطه بالزّعيم الحبيب بورقيبة علاقة صداقة وودّ وتقدير، حيث كان كثيرا ما يأويه بمنزله كلّما حلّ بربوع طبلبة ليلتقي بمناضلي السّاحل أو للاختفاء عن عيون المستعمر. ومن بين ما ذكره المرحوم يونس جمعة ابن المترجم له "أنّ ما بين سنة 1937 و1938 كثرت الإضرابات في كامل الإيالة التونسية احتجاجا على السياسة التعسفية المنتهجة من قبل فرنسا. وكان الزّعماء مهددون بالاعتقال، آوى الوالد المرحوم محمد جمعة الزعيم الحبيب بورقيبة في منزلنا الكائن ب"السكرين" فأنزله عنده وشمِله برعايته، وكذلك بمخزن امحمد الجزيري مدّة من الزّمن قبل مرافقته إلى المنستير, وحيث تعذّر الوصول إليها بحرا توّجها إلى قصر هلال حيث مكث الزّعيم لدى الطاهر بن حمدة بوغزالة (1900-1978) كاهية رئيس الشعبة الدستورية بقصر هلال الذي كانت تربط بينهما علاقة صداقة ومعرفة...وبعد حوادث 9 أفريل 1938 حاصرت القوات الاستعمارية منزل الزّعيم الحبيب بورقيبة واقتادته من فراش مرضه إلى السجن...".
وبعد أن أقرّ الديوان السياسي للحزب الحر الدستوري الجديد في 19 مارس 1945 إيفاد الزّعيم الحبيب بورقيبة إلى المشرق قصد الدّعاية للقضية الوطنية وكسب الأنصار لها اتّصل الزّعيم بنفسه بأهالي الساحل قصد جمع التّبرعات لتمويل هذه الرّحلة "فأقام بطبلبة عدّة أيّام بـ"سانية" صديقه الحاج محمّد الهبّاشي، اتّصل فيها بعدد كبير من دستوريي السّاحل(من المكنين وقصر هلال وصيادة وجمال و طبلبة...) الذين كانوا يتّصلون به ليلا، احترازا من عيون جنود الاحتلال يسلّموه أموالا جمعوها من المواطنين.."(1)وكان المناضل المرحوم محمّد بن قاسم جمعة من بين الذين كلّفوا بجمع التّبرعات حيث "تجمّع للزعيم الحبيب بورقيبة من أهالي طبلبة مبلغ محترم عبّر بعمق عن صدق مشاعرهم في المساهمة في إعداد العدّة لسفر الزّعيم إلى مصر للتعريف بالقضية التونسية..."(2) ثمّ غادر الزعيم بورقيبة تونس إثر هذه الزيارة إلى طبلبة، خفية فحلّ بمدينة صفاقس يوم 27 مارس 1945 ومن جزر قرقنة أبحر إلى ليبيا.
وعلى إثر رفض السّلطات الفرنسية لمذكرة الحكومة التونسية التفاوضية التي تطالب فيها بالاستقلال الداخلي بتاريخ 15 ديسمبر 1952 عزم الزّعيم بورقيبة على الاتصال بالجماهير الشعبية في مختلف أنحاء البلاد فتمّت برمجة زيارة لمدينة المنستير ليوم 9 جانفي 1952 ليلقي بها خطابا في أحرار السّاحل فتوّجه عدد من مناضلي طبلبة عن طريق البحر إلى المنستير لحضور هذا الاجتماع. يروي المرحوم يونس جمعة ابن المترجم له، الذي حضر اجتماع المنستير يوم 9 جانفي 1952 فيقول:"...ركبت البحر صحبة الوالد المرحوم محمّد جمعة ومجموعة من المناضلين. وكان الطقس باردا يومها والبحر هائجا، فتبلّلت ثيابنا من جراء الأمواج العاتية. و لمّا وصلنا إلى مدينة المنستير يوم 8 جانفي 1952 توجّهوا بنا إلى مخبزة قصد تجفيف الثياب المبتلة وبقينا ننتظر قدوم الزّعيم الحبيب بورقيبة بنادي الشعبة حيث قدّمت مسرحية بعنوان "الموت لازم والعذاب لواش". وفي مساء يوم 9 جانفي 1952 ألقى الزّعيم خطابه معلنا أنّ الشعب مقبل على فترة حرجة من الكفاح المسلّح وكلّ جهة تعمل بما تراه مناسبا...".
وقد ساهم المناضل المرحوم محمّد بن قاسم جمعة مساهمة فعّالة في معركة 23 جانفي 1952 حيث كان لا يدّخر جهدا في معاونة المقاومين بقدر الطاقة من حيث توفير المتفجرات التي كان يستعملها أحيانا في صيد السّمك آنذاك. وقد أعتقل أيام 5 و 6 و 7 فيفري 1952 بمحتشد طبلبة كما أعتقل بمركز الجندرمة بالشّابة. يروي المرحوم يونس جمعة ابن المترجم له فيقول"...كنت أتردّد باستمرار على ورشة النجارة وصنع السّفن الكائنة بـ"المعصار" لصاحبها الحاج محمود بن سالم جمعة فكنت أشاهد خالي حسين بن علي المدّب جمعة يصنع وحدات متفجرة كانوا يسمنوها "عصبانا" بمعيّة رجب النّقبي ومحمود بن سالم جمعة ومحمّد الجنزري (قريوة) وعلي بن عمر بن ريانة وسالم بن محمّد شحاتة(جندي سابق بالجيش الفرنسي) وهي من بين الأسلحة التي استعملت في معركة 23 جانفي 52.وقد جرح خالي حسين بن علي المدّب جمعة أثناء المعركة وبقي هاربا مدّة من الزّمن خوفا من اعتقاله. ثمّ سلّم نفسه للسلط الاستعمارية بعد مشورة الوالد الذي نصحه بذلك بعد حجز قاربه مصدر رزقه ومضايقة عائلته وأهله، و بقي على إثرها 3 أيّام بسجن المهدية لقي فيها ألوانا من التعذيب، ثمّ سجن 7 أشهر بالسّجن الجديد بتونس...".
وقد منح المناضل المرحوم محمد بن قاسم جمعة خلال سنة 1962 الصنف الرابع من وسام الاستقلال جزاء لجليل أعماله من أجل تحرير الوطن واسترجاع عزّته وكرامته.
لطفي جمعة (15 أكتوبر 2020)
ـــــــــ
*نشر بجريدة "الشروق" *العدد 6824 السنة 17، الثلاثاء 16 فيفري 2010 ص 16