رجل إصلاحي من عدول الاشهاد ومن أهل العلوم الدينية
ولد المرحوم العدل الشيخ صالح بن محمد بن امحمد بن خليفة بن قاسم جمعة في 25 مارس 1894 وتوفي في 25 أكتوبر 1971 تعلّم بكتّاب الزاوية "الشبيلية" وحفظ نصيبا من القرآن ثمّ التحق بجامع الزيتونة المعمور فتخرج بشهادة " التطويع" وهي شهادة ختم التعليم الثانوي بالجامع الأعظم. انخرط في سلك العدالة بنجاحه في امتحان عدول الاشهاد سنة 1928 وبدأ في الاشتغال بهذه الوظيفة سنة 1929 بالإضافة إلى القاء دروس دينية توعوية بالجامع الكبير (العتيق) منذ سنة 1931 حيث كان يتناوب مع الشيخ محمد المستيري وغيره في تناول مواضيع في فقه العبادات والمعاملات على المصلين بين صلاتي الظهر والعصر وبين صلاتي المغرب والعشاء. وكان يقدم دروسا لتلاميذ الزيتونة للاستظهار بها لدي مشائخ الزيتونة بعد انتهاء الحرب وهي معترف بها.
قام المرحوم العدل الشيخ صالح بن محمّد جمعة في تجسيد الفكرة التي كانت تخامره سنوات وهي انشاء مدرسة للبنات فاقترح الفكرة على المناضلين الدستوريين وشيوخ الزاويتين العياشية والشبيلية أمثال الطاهر معرف وعبد السلام شبيل وغيرهم فتحمّسوا للفكرة كما تحمّس الأهالي لبناء المدرسة وتمّ تجميع التبرعات المالية والعينية من كافة شرائح المجتمع حتّى الشباب منهم المنضويّ تحت الشبيبة المدرسية من خلال مداخيل العروض المسرحية المعروضة على الجمهور. ، كما أن المرحوم الشيخ صالح جمعة باع بستانه الكائن بالعقيدة للمساهمة في بنائها.وشيّدت البناية والمتكوّنة من قاعات تدريس وإدارة ومجمع دورة المياه ومساحة فسيحة وفتحت المدرسة أبوابها لأول مرّة سنة 1947 وقد بدأت في سنتها الأولى بقسم واحد إلى أن أصبحت تضم ستة أقسام. وقد ألحقها الشيخ صالح بن محمد جمعة منذ نشأتها بإدارة العلوم والمعارف فكانت مدرسة "النجاح" مدرسة حكومية وقد كلّف المرحوم صالح بن محمد جمعة بإدارتها إلى جانب التدريس من سنة 1947 إلى سنة 1957 سنة احالته على التقاعد فخلفه المرحوم عامر شبيل في إدارتها. يقول الأستاذ الطاهر بوسمّة في شهادته على المرحوم صالح بن محمد جمعة " ...أذكّر الشباب بمناقب المرحوم صالح بن محمد جمعة الزيتوني المتنور الذي كانت له الجرأة وحوّل مسكنه الخاص الى أول مدرسة لتعليم الفتيات في البلدة مكتفيا بغرفتين لنفسه بناها على السطح ليعيش مع عائلته بقية العمر فيها. إنه من تولى إدارة تلك المدرسة وأعطى فيها الدروس بعد قبولها رسميا من طرف إدارة المعارف زمن الحماية التي تعهدت بخلاص مرتبات المعلمين فيها كغيرها من المدارس الاهلية، لقد استمر فيها معلما ومديرا حتى بلوغه سن التقاعد، فتكلف بعده بإدارة تلك المدرسة المرحوم عامر شببل وهو من المعلمين الاكفاء متخرج من مدرسة ترشيح المعلمين بتونس. لقد حققت تلك المدرسة نتائج إبجابية ونجح منها المئات من خيرة فتيات طبلبة واصل البعض منهن الدراسة او اكتفين البعض منهن بقدر من العلم والمعرفة وحسن تدبير شؤون المنزل، وكل ذلك يعود الفضل فيه للمترجم له المرحوم صالح جمعة ... اما انا فقد أدركته منذ صغر سني لقرابة جمعتنا اذ كان شقيقه زوجا لخالتي شقيقة أمي، كما كنت أراه من بعيد جالسا مع جلاسه في محل عمله بالبلدة كلما مررت من النهج المؤدي للرحبة لقضاء شان من شؤون المنزل. وأما عن تلك الرحبة التي كانت معلما وصرة للبلدة وبها دكاكين عدة للقصابة وبيع السمك الطازج من بحره ولبيع الملح والتبغ والوقيد والبهارات المتنوعة والخضر والغلال وكلها من منتوج البلدة كما كان بها افران لطهي الخبز وعدد من المقاهي العامة للجلوس والدردشة ولعلب الورق للتسلي. تلك الرحبة وهي معلم تاريخي تمت ازالتها بحجة التطور ورؤية البحر من السفرة ولكن البحر لم يظهر بالرغم من شق الطريق المؤدي اليه والى المعهد الثانوي بالبلدة.
وأعود للموضوع ولصاحبنا الذي أكتب عنه فأقول بان الفضل يعود اليه ولتلك المدرسة القرآنية في رفع الجهل والأمية عن فتيات طبلبة البهية وقد وصل البعض منهن للتعليم العالي وتخرجن وتحملن المسؤوليات الكبرى في دولة الاستقلال التي دعمت الفكرة وعممتها بين الذكور والإناث وأزالت الحواجز بين الجنسين وأقرت الاختلاط منذ مرحلة التعليم الابتدائي الى العالي مرورا بالثانوي أيضا الى ان باتت البنات في المعاهد والجامعات أكثر ويمتزن على الأولاد بالتفوق في كل شيء، في الطب والصيدلة والقضاء والمحاماة والإدارة والتدريس والفلاحة" .
لطفي جمعة (12 ماي 2020)