الشيخ مختار بن علي بيّوض

 



علامة في مجال الانشاد الديني
ساهم في المحافظة واحياء التراث الصوفي المحلّي واثرائه

ولد الشيخ مختار بيّوض في 23 جويلية 1957 بطبلبة. بدأ تعليمه في الكتّاب فتعلم القراءة، وحفظ القرآن ثمّ زاول تعليمه الابتدائي بمدرسة الهداية بطبلبة أين تحصّل على شهادة "السيزيام" ليلتحق بالمعهد الثانوي بالمكنين. وقد نشأ في عائلة فنيّة حيث كان جدّه من والدته المرحوم احميدة كريم من مريدي الطريقة السلامية يحفظ الأذكار والأوراد وأغاني السلامية والأدبة، كان يغني أثناء السهر في العائلة الضيّقة أو الموّسعة أغانيه الطريفة على "المروحة" و"الكانون" و"كاس التاي"، وكان مختار بيّوض الطفل يردّدها وهو في سنّ التاسعة مقلّدا جدّه. كما كان يجيد رفع الأذان منذ الصغر فيُذكر أنّه ذات يوم رفع صوته بالآذان فهرول جاره الحاج فرج ابراهم البحّار قاصدا المسجد ظنّا منه أنّ العصر قد حان ولكنّه عندما التفت وجده فوق عربة يؤذن. وقد كان لأمّه صوت قويّ تحفظ وتردد الأغاني الشعبية وكذلك أخواله. ومن ثمّ استهوى الغناء ومن خلال سماع الراديو بدأ في حفظ أغاني كارم محمود وصباح فخري ويوسف التميمي وترديدها. وفي سنة 1975 انضمّ إلى فرقة "نجوم الساحل" بقيادة الهاشمي كريّم التابعة للجنة الثقافية المحليّة برئاسة المرحوم عمر الهباشي والكاتب العام عبد العزيز شبيل وأمين مال محمّد بن صالح، حيث كانت الفرقة تضمّ وقتئذ 30 فردا بين عازفين ومطربين ومجموعة صوتية. وقد تعلّم خلالها الشيخ مختار بيّوض أصول الموسيقى وبعض المقامات الموسيقية. وكان يؤدي وقتها المواويل والأغاني الطربية لعبد المطلب وكارم محمود ويوسف التميمي والهادي قلال.

فرقة أولاد بيّوض للسلامية
كان الشيخ مختار بيّوض يحضر حفلات السلاميّة التي تقام بطبلبة بمناسبة الأفراح ويتردد على زاوية سيدي عيّاش والمساجد خاصّة بمناسبة المولد النبوي الشريف لأداء الأغاني الدينية. وفي احدى هذه المناسبات سنة 1981 أعجب السادة فرج بن فضل والشيخ محمّد بوسمّة والسيّد قاسم عيّارة رئيس البلدية آنذاك وسالم سليمان بصوته القوي ونقاوته وحذقه للأذكار والأوراد وآمنوا بقدراته فاقترح عليه هذا الأخير تكوين فرقة للسلامية بدار الشباب واحياء فرقة الطريقة السلامية التي تأسست في خمسينات القرن العشرين وكان من أشهر عناصرها المتأخرين الأخوة التوأم حسن وعبد الحميد شبيل وسالم المديمغ وصالح الأحمر والحاج علي الهباشي حيث كانت تمارينهم تقام بزاوية سيدي بن عيسى بحومة السوق.
وكانت الانطلاقة إذن بدار الشباب لإعادة تكوين فرقة السلامية بطبلبة فاختار الشيخ مختار بيّوض مجموعة من الأفراد وبدأت الفرقة في التمارين من خلال تسجيل ما يذاع صباحا بالإذاعة الوطنية وإذاعة المنستير وإذاعة صفاقس وزاد غرام الشيخ مختار بيّوض وشغفه بخيرة مشايخ السلامية أمثال حميدة عجاج والناصر العبدلي من تونس العاصمة ومحمد شقرون أصيل رأس الجبل ببنزرت وعبد المجيد بن سعد أصيل القيروان، ثمّ تعرّف إلى يعض شيوخ السلامية من القيروان والمنستير أمثال الشيخ محمد الحميدي والشيخ عمارة البشير حيث تعلّم منهم الطبوع والمقامات مثل "الاصبهان" و"راست الذيل" و"المحير عراق" و"الماية" و"رمل الماية" الخ...
وفي سنة 1985 كوّن الشيخ مختار بيّوض فرقته الخاصة وسمّاها "فرقة أولاد بيوض" بحكم أنّها تضمّ أربعة عناصر من أولاد بيّوض وهم اخوته عبد الستار ومحسن وتوفيق وبدأت الفرقة تشق طريقها نحو الشهرة وسعى الشيخ مختار بيّوض إلى تطويرها من خلال ادخال آلات جديدة كالدربوكة التي يحذق النقر عليها أخوه توفيق والزكرة من اختصاص الهادي القرقني واستجابة لرغبة الجمهور يقسم العرض الذي تقدّمه الفرقة إلى ثلاث فقرات:
الفقرة الأولى: انشاد ديني يشمل قصائد دينية دون اللّجوء إلى استعمال الآلات الموسيقيّة
الفقرة الثانية: يقع استعمال البنادر وانشاد بحور وشطحات وقصائد و"السّريدة" ذات الأسلوب القصصي
الفقرة الثالثة: يقع استعمال الزكرة وأداء أغاني العيساوية
وقد كوّنت فرقة أولاد بيوض للسلامية رصيدا غنائيا خاصا بها بتركيب كلمات دينية على ألحان مشهورة، وتلحين أغان من كلمات الشاعر شكري الغضاب وتوزيع الصادق غربال مثل أغاني "يامدبو وياسيدو" و"مرحبا بلي جانا" و"ياربي طوّل عمري" و"نغني فيها" و"مبروك نجاحك" بالإضافة إلى احياء أغان من التراث الغنائي الطبلبي مثل "قل للميمة تخدم وتخبي" وقد سجلّت فرقة أولاد بيّوض للسلامية بقيادة الشيخ مختار بيّوض العديد من أشرطة الكاسات بالإضافة إلى الأقراص المضغوطة (ألبومات) للأفراح والحج.
وللفرقة اشعاع كبير محليّا وجهويّا ووطنيّا، فإلى جانب احيائها لحفلات الزفاف والختان والعودة من الحج وما إلى ذلك من المناسبات طيلة العام وخاصّة فترة العطلة الصيفيّة في طبلبة والمدن والقرى بتونس، فقد شاركت في عديد المهرجانات المحليّة والجهويّة كمهرجان الفنون الشعبية بالمنستير سنة 1995 والنفيضة وتستور. كما سجلّت الفرقة بعض الأناشيد لإذاعة المنستير والمشاركة في عديد البرامج الاذاعية كبرنامج "همزة وصل" و"بنادر ونوادر" للفنان حاتم الفرشيشي والمنشط أحمد موسى.

الشيخ مختار بيّوض أحد أساطين الانشاد الديني
استحق الشيخ مختار بيّوض من خلال مسيرته الفنّية وخاصة مجال الانشاد الديني أن يحتل مكانة هامّة من بين مشايخ السلامية في طبلبة وفي تونس عامة وهو الذي كوّن أجيالا في هذا المجال الروحي. كما كان حضوره مميزا في عديد المناسبات قي تونس ودول شقيقة، فقد كانت له صولات وجولات في صيف 1981 احتفالا بقدوم الزعيم الحبيب بورقيبة إلى طبلبة في تلك المناسبة أنشد الشيخ مختار بيّوض وفرقته ما جادت به القريحة في حضرة الزّعيم، أو في صيف 1987 بمناسبة عيد ميلاده بسقانص بالمنستير.
وقد شارك الشيخ مختار بيّوض سنة 2013 في عرض "الزيارة" من إنتاج سامي اللجمي وإخراج حافظ الجديدي مع ثلة من الأسماء كمنير الطرودي ومحمّد دحلاب وحاتم الفرشيشي والشيخ الهادي النعّات وحيدر أمير ومهدي العيّاشي. وفي 7 ماي 2014 شارك بالمهرجان المغاربي "أندلسيات" في دورته الخامسة بالقليعة بالجزائر الشقيقة كما شارك في البرنامج الثقافي "مسك العشية" التي بثته الإذاعة الجهوية "تيبازا الجزائرية" في تغطيتها للمهرجان. وفي 2 ماي 2015 شارك بمعية جمعية الشباب للموسيقى العربية بالمنستير للمرّة الثانية في مهرجان أندلسيات "القليعة" بتيبازة بالجزائر في دورته السادسة والذي انتظم من 29 أفريل إلى 02 ماي 2015 وقد شارك مع جمعية الشباب للموسيقى العربية بالمنستير في ثلاث حفلات منها حفل الافتتاح وحفل الاختتام مع جوق مغاربي مشترك تشكل من دار الغرناطية بالقليعة وشباب المنستير "تونس" ودار العالية "المغرب". وفي 10 جويلية 2015 شارك الشيخ مختار بيوض والسيّد محسن بيوض ضمن مجموعة الوجد بالمنستير بقيادة الفنان محمود فريح في المهرجان الوطني الخامس للمديح والسماع بمدينة تازة بالمغرب. وفي 5 ديسمبر 2015 شارك بمهرجان " عمارة بشير" لموسيقى الوجد في دورته الثالثة بالمنستير.
وفي سنة 2018 شارك في عرض "التخميرة" للفنّان مراد باشا والإخراج الركحي للمرحوم المخرج المسرحي مجدي عبرود مع نجوم الإنشاد الصوفي بولاية المنستير وهم حاتم الفرشيشي والمازري الحاج عليّ وشكري المرابط ومعز زيتون وأحمد حمودة.
لقد كان الشيخ مختار بيّوض عصاميّا كوّن نفسه ينفسه وصقل موهبته ونهل فنون الأداء والارتجال باحتكاكه بشيوخ الانشاد الديني كالشيخ عمارة بشير الذي مكّنه من تعلّم 14 نوع من "التعطيرة" في مقامات مختلفة. وقد تميّز بنقاوة الصوت وقوّته وحسن الأداء، وبراعته في التنقل بين المقام الأصلي ومشتقاته، وقدرته على إبراز الحليات والزخارف اللحنية، والمزج في أدائه بين الطابعين التونسي والشرقي. وقد ركّب القصائد الدينية على عديد الألحان المعروفة والمشهورة وساهم في احياء التراث الغنائي المحلي، كما ساهم في تدريب العشرات من الشباب على أداء المدائح والأذكار.
لطفي جمعة (29 أفريل 2020)

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال