المرحوم الشيخ فرج بن ريانة

 

المرحوم الشيخ فرج بن ريانة


" كان عصاميا كوّن نفسه بنفسه وصقل موهبته، حتى أنّه برع في الموسيقى والانتقال بين المقامات الموسيقية بسلاسة، وأبدع في الإنشاد الصوفي والتلحين وبشكل خاص في الارتجال وتجديد التراث الصوفي بالساحل التونسي"

ولد الشيخ فرج بن عبد الستار مخلوف بن فرج بن الحاج مَحمد بن ريانة في 14 ديسمبر 1979 بمدينة طبلبة، التحق بالمدرسة الابتدائية "النجاح" سنة 1985 عند بلوغه السنّ السادسة ثمّ بالمدرسة الإعدادية نهج الشهداء بطبلبة سنة 1991 ثمّ بالمعهد الثانوي بطبلبة سنة 1994، إلاّ أنّه انقطع عن الدراسة من تلقاء نفسه سنة 1997.
ساهمت المنظمة الوطنية للطفولة المصائف والجولات في تنمية مواهبه الفنيّة منذ انضمامه إلى نادي المصائف والجولات بالفرع المحلّي بطبلبة سنة 1989 .ثمّ انخرط المرحوم فرج بن ريانة بمنظمة الكشافة التونسية منذ سنة 1992 وأصبح قائد فرقة بالفوج المحلي للكشافة التونسية بطبلبة سنة 1994. ثمّ انضم إلى نادي الموسيقى بالمدرسة الإعدادية بطبلبة وانطلق في تعلّم الموسيقى على يد أستاذ الموسيقى آنذاك حمدي قدور ممّا جعله يعزف تقاسيم أغنية الربيع للفنان فريد الأطرش باقتدار.كما كان من رواد دار الشباب حيث أنّ شغفه وولعه بالموسيقى منذ صغره وغرامه بالموسيقار فريد الأطرش جعله يتردد على نادي الموسيقى بدار الشباب بطبلبة بمعيّة أترابه فتحي بلال وعبد الرزاق بن ريانة ومحمد المديمغ وبليغ التركي، حيث كان يؤطرهم المنشطان للنادي على التوالي مصباح الصولي وتوفيق بوقرّة، إلى أنّ تعلّقت همتّه بتعلّم آلة العود التي برع فيها ممّا أهلّه إلى الانضمام إلى فرقة "نجوم الساحل" بقيادة الهاشمي كريم وفرقة "الشباب" بقيادة جميل بالكحلة سنة 1993، وهذا ما أهله على إتقان العزف على آلة العود والكمنجة وعلى آلات الإيقاع.
وقد شارك المرحوم فرج بن ريانة في العديد من المهرجانات الموسيقية حيث تحصّل على الجائزة الأولى في مسابقة العزف المنفرد على آلة العود بمهرجان الموسيقى بالقيروان وهو في سنّ 15.
وفي سنة 1996 استهواه الإنشاد الصوفي فانضمّ إلى فرقة دار الشباب للسلامية بقيادة الشيخ المختار بيوض حيث تمكّن من أصول الغناء الصوفي وآليات الإنشاد الديني. ثمّ كوّن فرقة للسلامية بمعيّة رؤوف كريم ورضا الهباشي سنة 1999. وقد تأثر حينها كثيرا بأسلوب عروض الحضرة في تقديم التراث، وما قدّمته من صور جديدة للإنشاد الصوفي فأصبح الإنشاد عشقا وأغرم به وتأثر أيّما تأثر بكبار شيوخ الإنشاد الديني مثل الشيخ عبد المجيد بن سعد وعلي البراق ومحمد شقرون ومحمود عزيز والهادي النعات وغيرهم، فكوّن سنة 2000 فرقة "السلام" للسلامية بمدينة طبلبة وكانت انطلاقته من هناك حيث قدّم أوّل إنتاج خاص وهو ألبوم" شوق بالي يا رب" وهي عبارة عن تشويق للحج من كلمات الشاعر شكري الغضاب.
وفي سنة 2002 أصدر إنتاجه الثاني من كلمات الشاعر شكري الغضاب، تضمن أغان حول الأولياء الصالحين بمدينة طبلبة بعنوان " نوبة الأولياء الصالحين بطبلبة" في مقابل الأغاني الصوفية التي تمحورت بصفة عامة حول الأولياء الصالحين في العاصمة أو ببعض المدن الكبرى.
وفي سنة 2003 أصدر إنتاجه الثالث وهو ألبوم تضمن خليطا من أغان جمعت بين الموشّح السوري وأغان جديدة من إنتاج الفرقة مثل" فرحك ما صار" و"حجاج بيت الله" و" لبينا وحجينا" وقد أضاف فيها الآلات الموسيقية مثل الكمنجة والكوالة إلى جانب آلات الإيقاع وكتب كلمات الأغاني كلّ من ماهر فنطر وشكري الغضاب المتخصص في الكتابة للمنشدين وفرق السلامية.
وفي سنة 2007 أنجز ألبومه الرابع وتضمن عددا من أغاني الأفراح مثل" سعدي به" و"غني يا عروسة" إلى جانب أغان معروفة ولكنّه قدّمها بتوزيع جديد ورؤية معاصرة مثل" يا محمد بيك فزنا" و "انزاد النبي" و"العنبر فاح" و" نورك يا نبينا" وهي من توزيعه وكلمات الشاعر ماهر فنطر.
هذا وقد قام بإنجاز عرض ضخم سنة 2009 بعنوان" ترانيم صوفية" ضمّ أكثر من خمسين عنصرا بين منشدين وعازفين يتواصل على مدى ساعتين ونصف وفي هذا العرض أراد أن ينسج على منوال عرض" الحضرة" وتقديم الإنشاد الصوفي في الساحل وذلك من خلال أغان لم يتمّ تداولها من قبل في توزيع جديد مثل" يا محمد بيك فزنا" و" يا مصطفى غرامك" وفي العرض مزج بين السلامية والعيساوية في تصوّر حديث. وفي العرض أغان مصحوبة بالموسيقى وأخرى بالتصفيق فقط كإيقاع كما اعتمد على آلات موسيقية مثل القيتار باص والباتري والناي والأورغ وقد قدّمه في مهرجان المدينة بمدينة طبلبة ومدينة صيادة.
وكان المرحوم الشيخ فرج بن ريانة يجيد الارتجال فيرتجل أبيات تدور أغراضها عادة حول التصوف وتتضمن الاستغفار والتّوسل إلى الله ومدح نبيّه بألحان في طبوع تونسية أو مقامات شرقية يبرز فيها الشيخ فرج بن ريانة كفاءته الموسيقية وقدرته على إطراب الحضور.
وعلى الرّغم من كونه لم يتلق تكوينا أكادميا، حيث كان عصاميا كوّن نفسه بنفسه وصقل موهبته، إلاّ أنّه برع في الموسيقى والانتقال بين المقامات الموسيقية بسلاسة، وأبدع في الإنشاد الصوفي والتلحين وبشكل خاص في الارتجال وتجديد التراث الصوفي بالساحل التونسي. فكان ينشد القصائد المنظمة في الذكر لأقطاب الصوفية وما نظمه أشياخ الصوفية ورجالها من أوراد وأحزاب وأدعية بلغة هي مزيج من الفصحى والعامية، بالإضافة إلى ترتيله للقرآن. فقد كان الشيخ فرج بن ريانة مبدعا متكاملا.
وفي سنة 2011 أصدر إنتاجه الخامس بمناسبة موسم الحج وكلّ أغاني الألبوم من الإنتاج الخاص للفرقة كلمة ولحنا باستثناء لحنين فقط من التراث قدّمهما بتوزيع جديد وكامل الألبوم من كلمات الطاهر ابراهم وألحان المجموعة والألبوم بالكامل سجلّه بإذاعة المنستير وإذاعة الزيتونة للقرآن الكريم وقد تمّ بث هذه الأغاني بشكل متواصل على موجات الإذاعتين. كما كان هذا الألبوم محور برنامج أرابيسك بإذاعة المنستير بمناسبة صدوره، حيث كان الشيخ الهادي النعات من أبرز ضيوف البرنامج باعتبار العلاقة الحميمة التي كانت تربط بين الشيخين والزيارات المتبادلة بينهما من حين إلا آخر.
أمّا إنتاجه السادس فقد تمّ تسجيله إلاّ أنّ المنية حالت دون ترويجه حيث توّفي المرحوم الشيخ فرج بن ريانة يوم الأحد 21 جانفي 2018 رحمه الله وطيّب ثراه.
لطفي جمعة (03 مارس 2018)



إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال