الشيخ الامام المرحوم محمّد بن علي بن تقية

 

الشيخ الامام المرحوم محمّد بن علي بن تقية

ولد الشيخ الإمام المرحوم محمّد بن علي بن الحاج امحمد بن تقية في 15 نوفمبر 1893 بطبلبة وتوفي بها في 21 جانفي 1967. نشأ في أسرة متوسطة ومحافظة محبة للعلم. وكان والده شاهد عدل، وشقيقه الطاهر أيضا شاهد عدل. بدأ التعليم بمسقط رأسه ودخل الكتّاب وتعلم القرآن الكريم ومبادئ اللغة العربية. ثم انتقل إلى الجامع الأعظم جامع الزيتونة المعمور بتونس إلى أن حصل على شهادة التطويع في حدود سنة 1911. التي كانت بمثابة جواز المرور للالتحاق بسلك العلماء.
اشتغل الشيخ الإمام المرحوم محمّد بن علي بن تقية بعد تخرجه من جامع الزيتونة الثلاث وظائف الدينية الرئيسية التي يحق للعالم المتخرج من جامع الزيتونة أن يشغلها وهي: التعليم الشرعي والقضاء وإقامة الشعائر الدينية. فكانت بدايته في التدريس بجامع الزيتونة المعمور نفس الجامع الزيتوني الذي تربى فيه ونهل من علومه. ومن رجالات الوطن الذين تلقوا المبادئ الأولى للعلم والمعرفة على يد الشيخ الإمام محمّد بن علي بن تقية الزعيم المناضل المنجي سليم قبل دخوله إلى المدرسة الصادقية. وقد بقي الزعيم المنجي سليم وفيا لشيخه حيث أنّه لم ينس أي مناسبة دينية أو وطنية إلاّ وذكر شيخه ومعلّمه فيرسل له برسائل ودّ وامتنان وتقدير له على فضائله الكبيرة عليه.
رجع الشيخ الإمام المرحوم محمّد بن علي بن تقية إلى مسقط رأسه طبلبة بعد نقلته من العاصمة إليها في ثلاثينات القرن العشرين حيث وجد في بلدته طبلبة كلّ الترحاب والتبجيل ليبدأ رحلته الموّفقة في إشعاع العلم والمعرفة للأبناء طبلبة والبلدان المجاورة والدول الشقيقة بالمدرسة العياشية بطبلبة. يقول الأستاذ محمد بوسمّة في تعريفه للمدرسة العياشية:" لهذه المدرسة أملاك وعقارات بالبلدة وخارجها يقوم بتسييرها وكيل يشترط فيه أن يكون من أحفاد الشيخ عبد العزيز ابن الشيخ عيّاش صاحب المدرسة والأملاك ويجري انتخابه بواسطة الانتخابات الحرّة المباشرة من طرف جميع أحفاد الشيخ المذكور وله الصلاحيات للتصرّف وفق ما يشير به عليه الأحفاد في نطاق وثيقة العمل المؤرخة في شهر محرّم سنة 1089 ه والمتضمنة أنّ جميع مداخيل الأملاك الراجعة لهذه المدرسة تنفق على أبناء النسل من الأحفاد ثمّ القيام بشؤون المدرسة وما تتطلبه من ترميم وتحسين وإنارة وتنظيف ثمّ على طلبة العلم من الأحفاد خاصة ممن يزاولون تعلمهم بالمعاهد الثانوية والجامعية والكليّات الغني منهم والفقير على السواء ثمّ المقبلين على حفظ كتاب الله وتعلّم المبادئ الدينية واللغوية من الوافدين على البلدة من الأرياف والقرى والدول المجاورة ثمّ على قرائها الذين يتداولون تلاوة القرآن ودلائل الخيرات صباحا مساء بمقام الشيخ رضي الله تعالى عنه بشرط أن يكون جميعهم من الأحفاد أيضا وعدد القراء يبلغ ثلاثة وثلاثين يتمّ تعويض كلّ من وافاه الأجل منهم وما زال هذا الاجراء نافذ المفعول".
كان الشيخ الإمام المرحوم محمّد بن علي بن تقية يدّرس في هذه المدرسة بالغرفة الأولى على يسار الداخل لها، الآدابة للطلبة المهاجرين من إعادة حفظ ورسم ونكت لغوية ومعان. وقد توافد على مدينة طبلبة خلال الفترة التاريخية 1890-1960 الكثير من طلاب العلم من داخل البلاد وخارجها خاصة من الشقيقة ليبيا ووجدوا من الشيخ الإمام محمّد بن علي بن تقية كلّ الترحاب والرعاية من حيث السّكن والرعاية الاجتماعية ليتسنى لهم التعلم بكلّ أريحية حتّى أنّ الكثير منهم واصلوا دراستهم في جامع الزيتونة وتخرجوا منه. ونذكر على سبيل المثال الطالب الطاهر القمودي الذي هاجر إلى طبلبة سنة 1936 وقد سكن بالغرفة الداخلية، ثمّ درس بجامع الزيتونة وتحصل على شهادة "الأهلية".
وقد كان الشيخ الإمام المرحوم محمّد بن علي بن تقية من جماعة "القبة" أو " القراء" (القرا) والقارئ هو الشخص الذي حفظ القرآن الكريم وأورادا من كتاب "دلائل الخيرات" للشيخ أبي عبد الله الجزولي وفي مقابل هذه القراءة يتقاضى القارئ مرتبا يعينه وكيل الزاوية العياشية التي تقع القراءة بقبتها التي تضم ضريح الولي عبد العزيز بن عيّاش.
كان الشيخ الإمام المرحوم محمّد بن علي بن تقية قبل الاستقلال يناضل من ميدانه العلمي يؤازر أبناء بلدته ويشد على أيديهم ويعلمهم معنى التضحية في سبيل الوطن فكان أيّام المحتشد 5 و6 و7 فيفري 1952 بعد معركة 23 جانفي 1952 من ضمن المعتقلين الذين جمعتهم قوات الاستعمار بعد مداهمة المنازل وإخراج الرجال وجمعهم بمستودعات وحشرهم بها وتعذيبهم ومحاصرتهم بالكلاب والعتاد.
وقد عمل الشيخ الإمام المرحوم محمّد بن علي بن تقية كشاهد عدل يصادق على الوثائق القضائية، كما تولّى بعد وفاة الإمام شقيقه خليفة بن علي بن تقية سنة 1953 إمامة الجامع الكبير الجامع الأعظم (الجامع العتيق اليوم). جاء في كتاب "طبلبة التقليدية والحداثة في المجتمع العربي" الجزء الرابع صفحة 91:" لقد توفي الإمام خليفة بن تقية في مطلع سنة 1953 فأرسل عدد كبير من الأهالي مكتوبا إلى الوزير الأكبر محمد الطّيب بالخيرية يتضمن التعريف بوفاة الإمام الأوّل والخطيب بجامع بلدهم والمطالبة بتعيين الشيخ محمد بن علي بن تقية خطيبا مكانه. لقد أجرى شيخا طبلبة الانتخاب للخطة ولم يظهر راغب فيها غير محمد بن علي بن تقية واعتبر بذلك المرشح الوحيد وقد وقع الاتفاق عليه وحرّرت حجة صلاحية، وبما أنّ المرشح متحصل على شهادة التطويع في العلوم من جامع الزيتونة المعمور وعدل بطبلبة فلم يقع تكليفه بإحضار بطاقة القيس عدد3 كما جاء في رسالة المكلّف بعمل المهدية. ولد محمد بن علي بن الحاج امحمد بن تقية عام 1893 متزوج وله ابن واحد حالته المالية متوسطة سيرته الخاصة "حسنة" درجة معارفه في الفرنسية "لا شيء" ومتحصل على شهادة التطويع في العلوم. مشتغل في خدمة مدنية هي "العدالة" وهو معفى من الخدمة العسكرية بموجب الشهادة المذكورة وليست له "سوابق عدلية" ولا شيء له من النياشين والده عدل كان وشقيقه عدل الآن فهو صالح وأهل للوظيفة المطلوبة حسب بطاقة الإرشادات التي أعدّها عمل المهدية".
وقد كان الشيخ الإمام المرحوم محمّد بن علي بن تقية يملك مكتبة خاصة به تزخر بكتب الفقهاء والشيوخ في تفسير القرآن والسّنة. وقد كان متساكنو البلدة يستشرونه، فيفتيهم في مسائل شتّى في أمور دينهم ودنياهم فكان يجيبهم بكلّ روية بالرجوع إلى ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله وكتب الفقهاء. وكان لا يبخل أبدا على مدّ المساعدة للضعيف والمحتاج ما استطاع إليه سبيلا ماديا ومعنويا.
لطفي جمعة (29 ماي 2021)
المرجع: سيرة ذاتية خطية من تحرير ابنه محمد بن محمد بن علي بن تقية 25 فيفري 2010)


إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال